الطائر والخنزير

الطائر والخنزير

img

 

img

مسرحية من فصل واحد

الفئة العمرية مِن 12 إلى 18

 

د. أحمد النعيمي

رئيس مجلس الإدارة

خلفية المسرح

طائر واقف على رأس الخنزير ينقر حبات قمح علقت برأس الأخير بعد تمرغه بالتراب إثْرَ نوبة من العطاس الشديد:

الخنزير المصاب بالانفلونزا للطائر الذي يشكو منها: ما بلوتنا؟

الطائر بعد أن توقف عن الأكل ونظّف مخاطه السائل برأس الخنزير: هل تقصد الانفلونزا؟

الخنزير: ألا ترى أنّهم يستسهلون إعدامنا كلما أصابتنا بلوى؟

الطائر: وماذا يفعلون وهُم يخافون من العدوى؟

الخنزير: لا بدّ أن يكون عندهم حلول أخرى… هُمْ أعقل منّا!

الطائر: لو وجدوا حلاً آخر ما أعدمونا!

الخنزير وقد انفعل: هل تؤيد البشر؟

الطائر: لا لا !

الخنزير: فلماذا تبحث لهم عن الأعذار إذن؟

الطائر: لا أبحث لهم عن أعذار!

الخنزير: بل تفعل، هيا اغْرُب عن وجهي، أقصد عن رأسي.

الطائر: لا تغضب يا صديقي.

الخنزير: تداريني؛ لأنه ما زال على رأسي ما تأكله، أليس كذلك؟

الطائر: لا، فقد أكلت كل ما على رأسك من طعام.

الخنزير: لماذا لا تذهب إذن رغم أنّي طردتك.

الطائر: أنْتَظِر.

الخنزير: وماذا تنتظر؟

لم يكد الخنزير يكمل جملته حتى أصابته نوبة جديدة من العطاس الشديد، والصداع المؤلم، فراح يعطس ويتمرغ بالتراب بينما الطائر يُحَلِّق فوقه، وما إن انتهت النوبة ووقف الخزير على قدميه، حتى عاد الطائر للوقوف على رأس الخنزير -الذي عَلِقَ به طعام جديد- وأخذ يستكمل وجبته.

الخنزير: عرفت الآن ماذا تنتظر.

الطائر: مصائب قوم عند قوم فوائد، فلا قُدرة لي على التعب والبحث عن الطعام وأنا أعاني ما أعانيه.

الخنزير: اترك رأسي وشأنه.

الطائر: وماذا أنت فاعل إذا لم أفعل؟

الخنزير: ليس أنا مَنْ سيفعل، بل أديب بشري سيكتب عنك أنك متطفل وأناني، وبذلك يوبخك أمام الكائنات والتاريخ.

الطائر: سيأكل الأديب نفسه لحم طائر، ثم يعجبه مذاقه، فينسى ما كتب، ويكتب كلاماً جديداً مفاده أنك أحمق لأنك لم تعطني الفرصة لأنظف ما علق بك من أوساخ.

الخنزير: أنت تحفظ الدرس جيداً؟!

الطائر: وهل هذا الدرس المعروف بحاجة للحفظ؟!

الخنزير: لنَعُد للموضوع الأصلي، ماذا نفعل والبشر سوف يعدموننا؟ لعلّهم في الطريق!

الطائر: هيا نهرب.

الخنزير: وهل يهرب المرضى؟

الطائر: نعم.

الخنزير: كيف؟

الطائر: هل تسمح لي بالتصرف؟

الخنزير: وهل أملك غير ذلك؟

الطائر: سأجعلك بجناحين وذيل ومنقار.

الخنزير: ؟؟؟!!!

الطائر: لا تستفسر ولا تستغرب.

الخنزير: !

الطائر: لا تتعجب، كل ما هنالك انّ البشر يَدَّعون محبة الفن، وسوف تدهشهم اللوحة التي سنرسمها معاً فيعدمون قطعان الخنازير وأسراب الطيور وينسوننا.

الخنزير: وأنت أين ستختبىء حين أتحول أنا إلى لوحة فنية كاذبة.

الطائر: تحت ذيلك.

الخنزير: ولكن الرائحة هناك!!

الطائر: لا عليك سأحتملها.

الخنزير: لكنهم في النهاية سيكتشفون أمرنا ويعدموننا.

الطائر: لا.

الخنزير: كيف؟

الطائر: البشر يقولون إن المريض بالانفلونزا يشفى بعد سبعة أيام بعلاج وبدون علاج.

الخنزير: وهل هُم مجانين حتى يمهلوننا سبعة أيام؟

الطائر: بل قُل سبعة أشهر أو سبع سنوات!

الخنزير: أنت مجنون.

الطائر: بل أنت المجنون، فالعُملة الرائجة بين البشر هي العملة المزيفة من أكاديمييهم حتى مبدعيهم.

الخنزير: ومِن أين لك بالجناحين والمنقار الكبيرين بحجمي؟!

الطائر: أنت إمّا مجنون أو احمق؟!

الخنزير: بل أنت اللغز بعينه.

الطائر: هل ترى تلك العلب المغلقة؟

الخنزير: أراها.

الطائر: هي علب دهان كانوا يريدون استخدامها لطلاء أبواب الحظيرة، ومَا عليك سوى اسقاطها ورفسها حتى تنفتح، وتنسكب على الأرض، وبعدها أنا أتكفل برسم الجناحين والذيل والمنقار وأنت تقوم بالجلوس أو الانبطاح أو وضع رأسك في المكان الذي أشير لك عليه.

الخنزير: لك ما تريد يا قارب النجاة.

الطائر: بدأت تفهم.

الخنزير: وإذا اكتشفوا أمرنا؟

الطائر: ذلك أفضل.

الخزير: كيف؟

الطائر: حينئذٍ سيعزلوننا من أجل دراسة حالتنا ونكسب كثيراً من التعاطف والاهتمام، وستصدر صحف بشرية تتغنى بخيال الطائر والخنزير، وسيحتارون بفكرة إعدامنا، وكلما تأخر القرار سيكون حراسنا مطالبين بزيادة أعمارنا.

الخنزير للطائر: انت داهية.

الطائر للخنزير: إذا أردت أن تصبح داهية فابتعد عن الأفكار الواهية.

الخنزير: سابدأ بتنفيذ فكرتك منذ الآن.

الطائر: هيّا.

رفس الخنزير العلبة الأولى بقدمه اليسرى من الجهة الخلفية، ثم رفس علبة ثانية بقدمه اليمنى من الجهة الأمامية، ثم استخدم رأسه وقوائمه الأربع في رفس العلب كلها، بينما كان الطائر يحلق فوقه، وما إن انحنى الطائر لرسم الجناح الأول حتى فارق الحياة، وسرعان ما تبعه الخنزير، وحين جاءت فرقة الإعدام للمكان استغربت من عجلة الطائر والخنزير للتضحية بنفسيهما من أجل نجاة القطيع، فلم تكن تلك العلب سوى السموم المُعَدّة لإعدام قطعان الخنازير وأسراب الطيور.

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله