صرخة في الظلام: امنحونا الأمل، أنْقِذوا الطفولة

خاص – المحور الإنساني العالمي لدراسات الطفولة وأبحاثها

تحقيقات ميدانيّة

صرخة في الظلام: امنحونا الأمل، أنْقِذوا الطفولة

المحور الإنساني العالمي: النيجر- الأردن- سوريا- لبنان- ليبيا- العراق

img

دور المحور

منذ أنْ تأسس المحور الإنساني العالمي لدراسات الطفولة وأبحاثها، وقرر أنْ يعمل بثلاث لغات دفعة واحدة، هي: العربية والإنجليزية والفرنسية، وهو يعي دوره، وواجبه الإنساني في الوقت الراهن، والمستقبل، كما جاء ليحقق رسالته، وأهدافه، وتطلعاته، وهو اليوم محور يضم مجلس إدارة وهيئة استشارية ذات صفة عالمية، أعضاؤها ينتمون إلى أكثر من عشرين دولة مِن بينها دول عظمى وغنية ومتوسطة الحال وفقيرة، تغطي قارات العالم. والعاملون بالمحور جميعهم مِن العلماء والباحثين والأكاديميين المعروفين بانتماءاتهم الإنسانية وتميزهم في تخصصاتهم، ومجالاتهم.

في هذا التحقيق يسعى المحور الإنساني العالمي أو ما يسمى اختصاراً بالعربية (م.أ.ع) ليستطلع واقع الطفولة في ست دول، بعضها استقبَلَتْ مجموعات كبيرة مِن اللاجئين، وبعضها أنهكتها الصراعات والحروب الأهلية والخارجية.

إنّ الحور الإنساني العالمي لدراسات الطفولة وأبحاثها، لن يتعامل مع نتائج هذا التحقيق، أو غيره من التحقيقات والدراسات التي يجريها، بوصفها مواد صحفية تنتهي أهميتها مع نشرها، ولكنَّه سيرسل النتائج إلى سفارات الدول المعنية، والهيئات الإغاثية، والمنظمات الدولية القادرة على إحداث تغيير حقيقي، والمساهمة في علاج هذا الواقع المؤلم والمرير.

img

النيجر: مطاعيم الأطفال: المشكلة والحلول

يقول مستشارنا في النيجر الدكتور علي ديالو: “الطفولة في بلدي بحاجة إلى الكثير مِن الاهتمام، وهي ليست بخير”، ثم يتحدث عن بلده، فيقول:”بلدي واحدة من أفقر دول العالم، وأقلها نمواً على الإطلاق؛ إذ تغطي الصحراء حوالي 80% من مساحة بلدي، بينما تعاني بقية الأجزاء مِن مشكلات مناخية مثل الجفاف، ويعتمد اقتصادنا بشكل كبير على تصدير بعض المنتجات الزراعية التي يتركز إنتاجها في الجزء الجنوبي من البلاد بوصفه الجزء الأكثر خصوبة”، ويضيف: “إنّ بلدي عاجزة عن النهوض بنفسها اقتصادياً واجتماعياً في الوقت الحالي؛ ذلك أنّها تفتقر إلى البنية التحتية المناسبة، فالقطاع الصحي بالبلاد في حالة تدهور، ومستوى التعليم في انحسار وتراجع”.

ويرى الدكتور ديالو بأنّ النهوض بالطفولة هو الحل الأنسب لجميع المشكلات المستقبليّة، ويخبرنا بأنّ اليونيسيف وبعض المنظمات المختصة بالطفولة تحاول تقديم حلول لمشاكل الطفولة، لكنها تظل حلولاً مؤقتة، أو هي كالمسكنات الدوائية التي تهدىء الألم بعض الوقت، لكنها لا تعالجه. ويتحدث بشكل واضح عن حاجة بلاده لحلول بعيدة المدى، بحيث يتم تدريب القطاع الصحي ليتخذ شكلاً مؤسسياً لا يتأثّر بنقص الدعم، أو تبدُّل الأشخاص، كما أنّ جهاز التعليم في البلاد بحاجة إلى حلول شبيهة. ويتساءل: لماذا يجب أنْ ننتظر مطاعيم الأطفال -على سبيل المثال- كمنحة قد تأتي في موعدها أو تتأخَّر، لماذا لا تقوم الدول المانحة بتهيئة المناخ المناسب، وتوفير المواد التي مِن شأنها إنتاج المطاعيم في بلدي، وتدريب كادر وطني للقيام بهذه المهمة غير الصعبة؟.

ومِن الجدير بالذكر أنّ بعض المطاعيم التي أُعطيت لأطفال النيجر، وغيرها من البلاد الفقيرة كانت منتهية الصلاحية، أو فاسدة بسبب التخزين الخاطىء، أو النقل غير القائم على أسس علمية مثل عدم المحافظة على درجة حرارة معينة للمطعوم، أو تعرضه لمؤثرات أخرى تتسبب بإتلافه، أو فقدانه لمفعوله، أو ضعف تأثيره.

إنَّ تدريب كوادر وطنيَّة تتولى الجوانب الصحية والتعليمية في الدول الفقيرة صار اليوم ضرورة ملحة، وواجب إنساني عالمي لا يمكن تجاهله.

img

الأردن ولبنان: لجوء وانتهاكات وصعوبات

أمّا في الأردن ولبنان، فيتحدث مستشارونا عن نوعين مِن اللجوء؛ الأول هو اللجوء الفلسطيني في منتصف القرن الماضي، وقد تهيأت ظروف التعليم لمعظم أبناء ذلك الجيل مِن اللاجئين، وكثير منهم باتوا اليوم في مراكز قيادية، ومواقع اجتماعية مرموقة، كما أنّ القطاعين الصحي والتعليمي اتَّخذا شكلاً مؤسسياً لا يتأثر بتبدل الأشخاص والظروف، أمَّا اللجوء الثاني فهو اللجوء السوري الذي زَحَفَ إلى هذين البلدين نتيجة لما يسمى بأحداث الربيع العربي، وهو لجوء مَا زال بحاجة ماسة للمساعدات الدولية؛ خاصة في المسائل المعيشية، والإغاثية، والصحية، والتعليمية، والنفسية.

غير أنّ واقع الطفولة في هاتين الدولتين ليس بخير عميم، فعلى سبيل المثال نَشَرَت العديد مِن الصحف، كما تداولت مواقع التواصل الاجتماعي حالات مخيفة ومرعبة ومزرية حول سوء معاملة بعض أولياء الأمور لأطفالهم داخل المنزل بسبب الضغوطات الاقتصادية والنفسية وحالات البطالة التي يتعرض لها الآباء على وجه الخصوص، ولعلّ غياب الثقافة والتَّوعية عن هؤلاء الآباء ساهم في تفاقم هذه المشكلة.

ومِن مشاكل الطفولة في الأردن ولبنان استخدام بعض الأطفال كفئران تجارب، حيث قامت بعض شركات الأدوية بتجربة أدويتها الجديدة على عدد مِن الأطفال لمعرفة المؤثرات الجانبية لهذه الأدوية، ومعرفة مستواها العلاجي، وملاحظة مدى صلاحيتها للاستهلاك البشري، وبالتالي الوصول إلى النتائج التي قد تفتح الطريق أمام المردود الربحي الذي سينجم عن ترويجها، وتسويقها.

كما شهدت مدارس الأردن حالات اعتداء مِن طرف بعض الطلاب على أساتذتهم، والعكس صحيح، وتحدثت دراسات – غير موثقة- عن تزايد كبير في تعاطي الكحوليات، وحبوب الهلوسة، والمخدرات بين عدد لا يستهان به مِن الأطفال، ولعل ظاهرة التسرب مِن المدارس باتت مِن أكثر الظواهر التي تزعج المجتمع الأردني والحكومة الأردنية على حد سواء.

img

ليبيا: مأساة مفتوحة

وبالانتقال إلى ليبيا فإنَّ مستشارينا يتحدثون عن واقع مرعب ومرير للطفولة هناك؛ ومِن ذلك الغياب التام للأنشطة اللامنهجية الموجهة للأطفال، وإذا وُجِدَت مثل هذه الأنشطة فالذي يقوم بها منظمات دينية متطرفة هدفها تدريب الأطفال على العنف، واستغلالهم في حالات الصراع.

وفي ليبيا أيضاً تَراجَعَ دور المدرسة بشكل كبير، وتفاقمت حالات التسرب مِن المدارس بشكل مقلق، وتراجع تعليم الفتيات، وباتت كثير مِن العائلات تَمْنَع بناتها مِن التوجه للمدارس، إمّا خوفاً عليهن مِن التحرش أو الاختطاف أو الأذى، أو لتبني بعض الآباء مواقف حادة مِن فكرة تعليم المرأة مِن الأساس، وهي مواقف ناتجة عن فهم خاطىء لتعاليم الديانة الإسلامية التي تَحُثُّ على التعليم، وتُطالب به.

كما أصبحت ظاهرة حمل الأطفال للسلاح في ليبيا، ومشاركتهم في الصراعات المسلحة مع هذا الطرف أو ذاك بَادِيَة للعَيان، ومِن الطبيعي أنْ يكون الطفل الذي ينخرط في صراعات مسلحة عُرْضَة للاستغلال مِن كل نوع، كما أنّه مِن الطبيعي أنْ تكون علاقته بالمدرسة قد انتهت.

ويضيف مستشارونا بأنّ تعاطي الأطفال للمخدرات في ليبيا فَاقَ كُلَّ حدّ، وأنّ عدداً غير قليل مِن أطفال ليبيا يعانون مِن اضطرابات سلوكيّة تَتَمَثَّل في الميل إلى العنف والتخريب، وأحياناً الرَّغبة في الإنفراد، وأنّ عدداً غير قليل منهم يعاني مِن الفوبيا، والإكتئاب، وفقدان التعليم بسبب تَحَوُّل بعض المدارس لمقار عسكرية، أو مراكز لإيواء اللاجئين.

img
img

العراق: متاهة الطفولة والأمهات

في العراق يَتَحدَّث مستشارونا عن أمور تفصيلية أخرى، كما تَتَحَدَّث مستشارة المحور الإنساني العالمي لدراسات الطفولة وأبحاثها، والموظفة الحكومية السابقة السيدة إيمان الجادر عن ضرورة تحديد واقع الطفولة بالعراق بشكل تفصيلي، وجَلِيّ.

وفي ذلك تفيدنا إيمان الجادر بأنّ معاناة الطفل في العراق تبدأ منذ لحظة مَا قبل الولادة بسبب عدم توفر الشروط الصحية للإنجاب في أغلب المستشفيات أو حتى المراكز الصحية، كما تفيدنا الجادر بأنّه لا يوجد حضانات خاصة أو حكومية لأطفال النساء العاملات، وإذا توفرت مثل هذه الحضانات فبأثمان لا تناسب دخل المرأة العاملة، وقد تكون الشروط الصحية للحضانة غير مناسبة لإقامة طفل المرأة العاملة فيها خلال فترة تواجد الأم في عملها.

ومِن أبرز المشاكل التي يعاني منها أطفال العراق ازدحام الصفوف الدراسية، فقد يصل عدد الأطفال في الغرفة الصفيَّة الواحدة إلى أضعاف ما تحتمله هذه الغرفة؛ لذلك نَجِد في بعض مدارس المناطق الفقيرة حوالي 70% مِن الأطفال يجلسون على الأرض.

وتَرَى مستشارتنا الجادر بأنّ درجة حرارة الجو في العراق كارثة أخرى يعاني منها طلاب المدارس، فعلى الرغم مِن ارتفاع درجات الحرارة بِحُكْم الطبيعة المناخية للعراق فإنَّه ليس لدى الأطفال في الغرف الصفيَّة أي شكل مِن أشكال التبريد أو التكييف، بل حتى المراوح الهوائية التقليدية غير متوفرة.

ومِن الأمور التي لاحظها فريق (م.أ.ع) أثناء هذا التحقيق سواء داخل ساحات المدارس في العراق أو خارج أسوار المدارس، عدم وجود أماكن لِلَعِب الأطفال، كما لا توجد أي مراكز أو ورشات عمل لتنمية مواهب الأطفال، وإنْ وُجدت ففي المدارس الخاصة، والأحياء الثريَّة.

ويفيدنا الفريق الذي أجرى هذا التحقيق بأنّ المناهج المدرسية في العراق لا تناسب مستوى تفكير الطفل، فقد تكون هذه المناهج أعلى مِن مستوى تفكيره أو أقل، ممّا يعني أنّ إعدادها تمّ بعشوائيَّة ومزاجيَّة، ودون تخطيط سليم مِن مختصين محترفين.

وقد وَصَلَت هذه المزاجية والفردية باتخاذ القرار إلى أنّ عدداً لا يُستهان به مِن كوادر الهيئات التدريسية يفرض على طالبات المدارس الحجاب مِن خلال توجيهات وأوامر شخصية، غير مستندة أو منبثقة عن قرارات رسميّة أو حكوميّة أو برلمانيّة، كما لاحظ فريق التحقيق إرهاق الأطفال بطلبات شراء مستلزمات مدرسية على نفقتهم الخاصة لا تتناسب مع مستوى دخل ذويهم، أو مع المستوى الاقتصادي والمعيشي للعائلة.

وتفيدنا مستشارتنا الجادر بازدياد نِسَب التَّسرب بمدارس العراق، وانتشار عمالة الأطفال، واستئجارهم للتسول، ولغايات غير مشروعة على رأسها الاستغلال الجنسي، والمتاجرة بأجسادهم، وانتشار ظاهرة تزويج القاصرات، خاصَّة بنات المناطق الأشد فقراً، كما أنّ تأخُّر بعض الأطفال لساعات متأخرة مِن الليل يجعلهم عرضة للانتهاكات الجنسية وغيرها، فبعض الأطفال يعود إلى منزله متأخراً إمَّا بسبب العمل أو بسبب تواجده مع رفاق السوء، وبعضهم لا يعود إلى منزله أصلاً، ولكنه ينام في مكان عمله، ممّا يُضَاعِف إمكانية استغلاله.

ويفيد مستشارونا بأنّ غياب الزِّي الموحد عن أغلب المدارس يزيد مِن الفجوة النفسية بين الطلبة، ويُعمِّق الفروق الطبقية، كما يساهم في التسرب مِن المدرسة حين لا يَعُوْدُ الطفل يحتمل رؤية نفسه في موقف محرج بين أقرانه.

لقد وَصَل الأمر ببعض أولياء الأمور في مناطق الصراع الحاد، والفقر الشديد إلى محاولة بيع أطفالهم، أو تأجيرهم، أو تزويج بناتهم القاصرات إلى رجال يكبرونهن سناً بأضعاف مضاعفة، فبعضهم يكون مِن جيل والدها، وبعضهم يكون من جيل جَدّها، والأغلبية الساحقة منهم يتعامل مع الطفلة التي تم تزويجها له كدمية اشتراها على نفقته الخاصة، يرميها حين يَملّ منها، أو يَشْعُر بعدم حاجته لها.

ومِن المآسي الأخرى أنّ بعض الأطفال ينبشون المزابل يومياً مِن أجْلِ السَّعي لاستخراج مُخَلَّفَات صالحة للبيع، مِمّا يُعَرِّضُهم إلى جملة مِن الأخطار على رأسها الخطر الصحي، وخطر التَّعرُّض لمواد مؤذية، وأحْياناً قاتلة.

فريق المحور الإنساني العالمي لدراسات الطفولة وأبحاثها (م.أ.ع)

About The Author

Related posts